من هو عبد الله بن أبي السرح
هو عبد الله بن سعد بن أبي السرح بن الحارث القرشي، من بني عامر. وهو أخو سيدنا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - من الرضاعة. تعد شخصية عبد الله بن أبي السرح من الشخصيات التي يثار حولها جدل من حيث اسلامه وردته. وفي هذا المقال نفند تلك الشبهات بالمنطق والدليل، وسنتحث عن حياته وقصة اسلامه ووفاته.
إسلامه
أسلم عبد الله بن أبي السرح رضي الله عنه قبل فتح مكة وهاجر إلى المدينة، وكتب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد بعد ذلك وترك المدينة ولحق بالمشركين. ثم جاء عام الفتح، فلما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة، أهدر دم نفر من المشركين كانوا يؤذون المسلمين ويشتدون عليهم، وكان منهم عبد الله بن أبي السرح. فلما علم بإهدار دمه، انطلق إلى أخيه من الرضاعة "عثمان بن عفان" لما يعلم من مكانته عند سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فلما دخل على عثمان - رضي الله عنه - واستجار به أخذه إلى النبي عليه الصلاة والسلام فأدخله عليه، وقال يا رسول الله بايع عبد الله، فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - بوجهه، فأتاه وأعاد عليه السؤال ثلاثًا حتى بايعه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم حسن اسلامه.
سبب ارتداد عبد الله بن أبي السرح
قيل إنه في إحدى المرات عندما كان يكتب الوحي للنبي، أملى عليه النبي صلى الله عليه وسلم: 'السميع العليم'، فكتبها عبد الله 'العليم الحكيم'. ولما فعل ذلك، قال له النبي: "وهو كذلك"، أي أن الله فعلاً هو السميع العليم وهو العليم الحكيم أيضًا. ولم يفهم عبد الله أن النبي كان يقصد الإقرار بأن السميع والحكيم والعليم من أسماء الله الحسنى وصفاته، وفهم أنه يقر بتغييره للقرآن فافتتن بهذا، وقال: 'ما يدري محمد ما يقول'. وترك المدينة المنورة سرًا وذهب إلى مكة، وعندما وصل إلى مكة أعلن عودته إلى عبادة الأصنام وقال إنه استطاع تحريف القرآن. وقد أنكر كل علماء المسلمين هذه الرواية، والرواية الأصح لردته هي أنه أزله الشيطان.
توليته على مصر
لما جاء عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وأرسل عمرو بن العاص لفتح مصر، كان عبد الله بن أبي السرح على ميمنة جيوش عمرو. فلما أتم الفتح ولاه على صعيد مصر، فكان أول والٍ على الصعيد. ثم توفى عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فلما تولى عثمان بن عفان أضاف لعبد الله أمر الخراج - وهي أموال الأراضي التي ترسل إلى بيت المال - فنشأ خلاف بينه وبين عمرو، فعزله عثمان وولى عبد الله بن أبي السرح على مصر، ليصبح الوالي الثاني على مصر بعد فتحها.
بعد أن استقام له الأمر، شرع في فتح إفريقية (تونس حاليا) وبلاد النوبة، وقاد المسلمين في معركة ذات الصواري التي انتصر فيها على الروم.
الشبهات التي تثار حول ابن أبي السرح
لا شك أن أعداء الإسلام لا يرمون سهامهم إلا في الشخصيات التي أذلت كرامتهم، وهدمت بنيانهم. فما سلم منهم الصدّيق ولا الفاروق ولا ذو النورين، فكيف يسلم منهم ابن أبي السرح؟!
أما الشبهات التي تثار حوله أولها: مسألة ردته:
إن الإسلام بعد الكفر يجب أن يكون ما كان قبله، إذا فالإسلام بعد الردة يجب ما قبله أيضًا. فمثلاً، طليحة الأسدي الذي ارتد وادعا النبوة، ثم أسلم وحسن إسلامه واتجه إلى مكة محرماً في خلافه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال له عمر: 'إنت قاتل الرجلين الصالحين'، يقصد ثابته من الأرقم وعكاشه. فقال طليحة: 'أكرمهما الله بيدي'. فقال: 'والله لا أحبك أبدًا'. قال: 'فمعاشرة جميلة يا أمير المؤمنين، فإن الناس يتعاشرون مع البغضاء'. وأسلم إسلامًا صحيحًا، وقد ارتد غيرهما خلقًا كثيرًا، ثم أسلموا وحسن إسلامهم، وما عيرهم أحد بردهم، وما زادتهم الردة بعد عودتهم للإسلام إلا صلابة في الإيمان وجهادًا لعز الإسلام.
أما الشبهة الثانية فهي: توليته أمر مصر وعزل عمرو بن العاص.
أشيرت تلك الشبهة أيضًا على عثمان بن عفان رضي الله عنه وقد ردها عن نفسه فقال: 'أما ابن أبي السرح فقد ولاه عمر بن الخطاب قبلي، ثم إن أمير المؤمنين عثمان يولي من شاء ممن يرى فيه مصلحة البلاد والعباد، وقد عرض على عمرو بن العاص قبل عزله أن يظل أميرًا على مصر مختصًا بالجند وإدارة البلاد، وأن يترك أمر الخراج إلى عبد الله بن أبي السرح. فلما رأى فيه على إدارة هذا الأمر فرفض عمرو بن العاص. كما أن ولاية بن أبي السرح على مصر شهادة لحسن إدارته لها، وأجمع المؤرخون على حسن إدارته للبلاد واهتمامه بالزراعة والفتوحات وغيرها. كما أن توليه عمرو بن العاص لابن أبي السرح على صعيد مصر شهادة له من عمرو بحسن إدارته وقدرته على ضبط الأمور.
وفاته
بعد مقتل عثمان رضي الله عنه اعتزل عبد الله السياسة ونجا من الفتنة وذهب إلى عسقلان وقال يزيد بن أبي حبيب: 'لما احتضر عبد الله بن أبي السرح في عسقلان وقد خرج اليها فارًا من الفتنة، جعل يقول: من الليل أصبحت، فيقولون: لا. فلما كان عند الصبح فقال لمولاه: يا هشام، إني لأجد برد الصبح، فأنظر. ثم قال: 'اللهم اجعل خاتمة عملي الصبح'. فتوضأ في ليلة وصلى وقرأ في الركعة الأولى سورة الفاتحة والعاديات، وفي الركعة الثانية قرأ الفاتحة وسورة، ثم سلم على يمينه، وعندما سلم على يساره قبض ومات ودفن في عسقلان.
تلك كانت شخصية عبد الله بن أبي السرح التي أثيرت حولها شبهات جعلت شخصيته غائبة حاضرة في كتب المغرضين، ولعل سهامهم حوله تثير البحث حول شخصيته مما ينشر ذكره كلما اختفى أثره، ومما يذكر ويحمد عليه أهل الغرب الأفريقي أنهم ينقشون اسمه ويسمون باسمه العديد من المدارس والمعاهد العلمية والميادين والشوارع، حتى يظل اسم من قدِم لهم حاملًا لواء الإسلام حاضرًا في أذهان الأجيال.