عالم الكم العجيب
من خلال أعمال الميكانيكا الكلاسيكية التي قام بها العالم إسحاق نيوتن، تكون فكر عام بأن العالم أشبه بالآلة الميكانيكية المقيدة بقوانين واحدة، وأننا نستطيع أن نعرف مستقبل أي شيء من خلال وضعه في الحاضر، لأن المستقبل هو بناء قام على الماضي، وظل هذا الاعتقاد سائدا لـ 200 عام.
ومع ميلاد عصر العلم الحديث على يد علماء الفيزياء (physics) أمثال أينشتاين، اتضح أن الكون يختلف تماما عن مبدأ نيوتن، واتضح أن كل شيء متصل ببعضه. وأن الماضي مثل ما يؤثر على الحاضر، يمكن أن يؤثر المستقبل نفسه على الماضي، وعلى الرغم من غرابة هذا، الا أن هذا هو العالم من وجهة نظر فيزياء الكم والفيزياء الحديثة.
تاريخ عالم الكم
عندما تنظر الى تسخين الحديد، ومع زيادة درجة الحرارة، يتحول لون الحديد من الأحمر للأصفر، وبعدها إلى الابيض، وحتى يبرد ويتحول إلى اللون الرمادي. وقتها نبدأ بالتخمين أن هناك علاقة بين حرارة قطعة الحديد ولونها، لكن الحقيقة أن هناك أسئلة كثيرة وهي:
- لماذا أصدرت قطعة الحديد ضوءًا عندما تم تسخينها؟
- ولماذا تغير لون الحديد عندما تم تسخينه؟
- وما السبب في ثبات الضوء عند اللون الأبيض؟
في الحقيقة كانت إجابة هذه الأسئلة صعبة جدا، لكن العلماء كانوا بشكل عام مدركين أن خط التفكير الوحيد الذي سيجاوب على هذه الأسئلة هو التفكير في طبيعية المادة نفسها.
من هو صاحب نظرية الكم
في عام 1897 اكتشف العالم "طومسون" أن الذرة تحتوي على جسيمات أصغر تدعى الإلكترونات سالبة الشحنة. وقال وقتها بما أن الذرة شحنتها متعادلة كهربيا، إذا تحتوي الذرة على جسيمات أخرى موجبة الشحنة. لكن في أوائل القرن العشرين اكتشف عالم الفيزياء "راذرفورد" في تجربة حاول أن يثبت فيها صحة نظرية طومسون أن معظم الذرة مكون من فراغ، وأن هناك نواة صغيرة شديدة الكثافة.
وتم استخدام تشبيه أن الذرة تشبه المجموعة الشمسية، وأن الكواكب تمثل الإلكترونات التي تدور حول الشمس والتي تمثل بدورها النواة، وظل هذا التفكير سائدًا حتى ظهر مؤسس علم الكمّ وهو "ماكس بلانك" الذي يقول أن الطاقة مكونة من قطع صغيرة، وأطلق على هذه الجسيمات اسم الكوانتم (quantum). وكان من الصعب تقبل هذا الكلام في المجتمع العلمي وقتها لأنهم لم يفهموا حينها ما هي الطاقة، وكان هذا الميلاد الأول لفيزياء ميكانيكا الكم.
ما هو مفهوم ميكانيكا الكم
في نفس وقت ماكس بلانك تواجد أحد الشباب الذي سيبدأ في بناء الأعمدة المتينة لعالم الكم وهو "نيلز بور" الذي قال أن نظرية ماكس بلانك حلت مشكلة تغير لون الحديد، وستجاوب على كل الأسئلة. إذا كانت الذرة مثلما قال "راذر فورد" مثل المجموعة الشمسية، فالإلكترونات لها مدارات محددة، وإذا حصل أن الإلكترون تحفز بالطاقة، سيترك مداره وينتقل إلى مدار آخر حتى تنتهي طاقتة، ووقتها يطلق فوتونا ضوئيًا ويعود إلى مكانه مرة أخرى. وبهذا عندما يتم تسخين الحديد يتم تحفيز الذرات، ويتم إمداد الإلكترونات بالطاقة، فتنتقل من مدار إلى مدار أعلى. وتبدأ في إطلاق الضوء، وبسبب هذا قطعة الحديد تصدر الضوء.
ولو زادت درجة حرارة قطعة الحديد أكثر سيتم تحفيز الإلكترونات أكثر فأكثر. وينتقل الى مدار أعلى، وبالتالي تطلق ضوءا أقوى، لكن لو تم تسخين الحديد الى درجة اعلى، ففي هذه الحالة ستقفز الإلكترونات الى أعلى مدار ممكن، وعندما يعود الى مداره الأساسي سيظهر الضوء الأبيض. وهذا يفسر تغير لون الحديد كلما زادت درجة الحرارة.
وأثبتت الأبحاث ان الإلكترونات لها مدارات محددة، ويستحيل ان تتواجد بين مدارين، وأن كل إلكترون يحتاج الى كم من معين من الطاقة ليقفز للمدار الذي بعده، ولنفس السبب مهما زادت درجة حرارة قطعة الحديد لن تطلق ضوءا أكثر من الضوء النهائي، لأن الإلكترون في النهاية سيستهلك كما معينا من الطاقة لكي يتحرك من المدار. وهذا يعني أن الإلكترون ينتقل من مدار لآخر دون أن يمر على المسافة التي بينهما، وكأنة يختفي من المدار الأول ويظهر في المدار الثاني. وقد بدأ الوضع يزداد غرابة بسبب أعمال أينشتاين على النظرية الكهروضوئية التي حصل بسببها على جائزة نوبل والنظرية النسبية.
ملاحظة أينشتاين وقتها أنه إذا تواجد عندنا سلكان مفصولين عن بعضهما، وأطلقنا عليهما ضوءًا، ستمر بينهم كهرباء. وهذا يعني أن الضوء نفسه استطاع أن يحرر الإلكترونات الموجودة في السلكين، ويوصل الطاقة بينهم.
ومن هنا يظهر استنتاج جديد، وهو أنه إذا تمكن الضوء من تحرير الإلكترونات، فهذا يعني أن الضوء كان يحتوي على شيء يدفع الإلكترونات الموجودة في السلكين، وهذا يعني أن الضوء نفسه جسم مثل الإلكترون. وقد كان هذا غريبا وقتها، لأن الضوء كان يعرف أنه موجة وليس جسيما. في البداية كان يعتقد أن الضوء اضطراب في مادة خيالية، لكن اتضح في ما بعد أن الضوء ينتقل في الفراغ. ومن هنا وضح اينشتاين أن الضوء مختلف عن أي شيء نعرفه، وقال أن الضوء ليس موجة أو جسيم بل هو الاثنان معًا.
التحديات في فهم عالم الكم
وفي نفس الوقت ظهرت تجربتة الشق المزدوج، وهي تجربة اتضح من خلالها أن الإلكترون نفسه له طبيعة موجية كما له طبيعة جسيمية. وهذا يعني أن كل الأجسام التي تحتوي على ذرات لها طبيعة موجية.
وهنا ظهرت العديد من الأسئلة، كيف يكون الإلكترون موجة وجسيما في نفس الوقت. ومن هنا ظهرت المعادلة الموجية التي وصفت الكيفية التي يتحرك بها الإلكترون، لكن هذه المعادلة الموجية يمكن أن تصف العديد من الأشياء عن الالكترون. لكن يستحيل أن تتنبأ بمكانه، ومن هنا صيغ مبدأ الريبة أو مبدأ عدم التأكد موضحًا أنه ليس هناك سبيل أمام العلم لإدراك كل الحقائق. واتضح من هنا أن العالم الذري له قوانين مختلفة تماما عن عالمنا العادي، وتخضع لمنطق مختلف تماما مليء بالإحتمالات. وأضف على هذا أنك لو حاولت أن تطبق قوانين عالم الكم على عالمنا الواقعي ستخرج باستنتاجات خاطئة. وإذا حاولت أن تطبق قوانين عالمنا على العالم الكمي ستخرج باستنتاجات خاطئة أيضاً.