ليلة القدر
هل لليلة القدر علامات؟ وهل وردت تلك العلامات في القرآن أو السنة ؟ ولِمَ لَمْ يحدد لها زمان؟ هذه التساؤلات سنجيب عنها في هذا المقال.
"ومَا أدْراكَ ما ليلةُ القدْر"
ليلة القدر يتطلع العبّاد إلى علاماتها؛ حتى يغتنموها ليقوموا ليلتها ويكثروا الدعاء فيها لعلهم يظفرون بثوابها.
وعلامات ليلة القدر اشتغل الناس قديماً وحديثا بالبحث عنها، فتخيلوا فيها أشياء جميلة تليق بمقامها، فهل لهذه العلامات أصل في الشرع ؟
لقد أخفى الله - عز و جلّ - عن نبيه وأُمّته موعد ليلة القدر، ولكنه أظهر فضلها فقال تعالى " وما أدْراك ما لَيْلة القدْر " وإذا قرأت " وما أدراك " في القرآن الكريم فاعلم أن السؤال عن عظيم ، وكل ما جاء في القرآن الكريم " وما أدراك " فقد أخبر الله -عزّ وجلّ - بشأنه ، وكل ما جاء " وما يدريك " فقد طوى الله علمه.
لكن الدراية التي وردت في الآية ليست زمانية ؛ بل جاءت لبيان قدرها ، وعظم ثواب العبادة فيها.
وقد أكثر الصحابة - رضوان الله عليهم – من السؤال عنها حتى يفوزوا بثوابها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : التمسوها في العشر الأواخر.
ورغم أن القرآن لم يحدد لها زمناً، والسنة لم توضح لها وقتاً؛ إلا أن شغف الناس بها جعلهم يضعون لها وقتاً و يجعلون لها صفات !!
علامات ليلة القدر التي تخيلها بعض الناس
- أنها ليلة معتدلة لا حارة ولا باردة .
- أن الشمس تطلع فيها صافية لا شعاع لها .
- أنها ليلة يسودها الهدوء ، فيقل فيها نباح الكلاب ونهيق الحمير .
إن الذين تخيلوا تلك العلامات في ليلة القدر لا شك في حسن قصدهم ، لكنهم مثل الأعمى الذي قيل له : صف لنا البدر . فراح يُشِيد باستدارته، ولمعانه، وضوئه، ... فقيل له : هل رأيته ؟! قال : لا ، ولكني سمعت الشعراء يتغزلون فيه !!
إن هذه العلامات رغم حُسْن قصد من قالوا بها؛ إلا أنها قد تصد الناس عن العبادة .
كيف برجل قام ليلة وِتريّة ، ثم نظر إلى شعاع الشمس فتخيلها صافية لا شعاع لها؛ قد تفتر همته عن العبادة ما بقي من الشهر؛ فيفوته ثواب اللية التي كان يترقبها.
هل في القرآن علامات لليلة القدر؟
إن العلامات التي وردت في سورة القدر ليست بعلامات ظاهرة بل خَفيّة " تنزَّل المَلائكةُ والروح فيها"، "سلامٌ هي حتى مطلَع الفجْر "، ونزول الملائكة، وسِلْمُ هذه الليلة وسكينتها؛ لا يدركه إلا الخاصة من العبَّاد الأتقياء الأصفياء؛ إذ يشعرون بما لا يدركه الغافلون .
هذا نبي الله يعقوب ـ عليه السلام ـ يشم رائحة قميص يوسف رغم بعد المسافات " إِني لأجدُ رِيحَ يوسفَ لَولا أن تـُفنِّدون " . قال صاحب الظلال حول هذه الآية :" ولكن المحيطين بيعقوب لم يكن لهم ما له عند الله فلم يجدوا ما وجد من رائحة يوسف"
روى مسلم من حديث أسيد ين حُضير ـ رضي الله عنه ـ بينما هو ليلة يقْرأ في مرْبده إذْ جالت فرسُه فقرأَ ثم جالت أخرى فَقرأ ثمّ جالت أيضاً. قَال أُسيْد فخشيت أنْ تطأَ يحيَى فقُمت إليْها فإذا هِي مثل الظلّة فوْق رأْسي فيها أمثال السّرْج عرجَت في الجو حتّى ما أرَاها ، فغدوْت على النّبي ـ صلّى الله عليْه وسلم ـ فذكر ذلك له فقَال اقْرأ ابن حُضير، فقرأَ، فقال : تِلْك الملائِكة كانت تسْمع لَك.
والصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ لما أدركوا أنهم لن يُخبروا بزمانها ، أخذوا يسألون عما يقدموه فيها ؛ فأخبرهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله " من قَام ليْلة القدر إيماناً واحْتساباً غُفر لَه ما تقدّم من ذنبِه " .
وسألت السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ يا رسول الله ، ماذا أقول إذا أدركتني ليلة القدر ؟ فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ قولي : اللّهم إنّك عفوٌ تُحب العفْو فاعْف عنّي اللّهم إنك عفوٌ تُحب العفْو فاعفُ عنّا ".